الجمعة، 22 سبتمبر 2017

مدخل لدراسة الشريعة الإسلامية,


مدخل لدراسة الشريعة الإسلامية 

ملخص كتاب : 
للأستاذ محمد فتح الله أسطيري
الشريعة ما شرَّعه الله وسنه لعباده من الأحكام عن طريق الوحي في العقائد والعبادات والأخلاق والمعاملات والجنايات ونطم الحياة في شعبها المختلفة لتحقيق سعادتهم في الدنيا والآخرة
النصوص القطعية الدلالة : هي النصوص الواضحة التي لا تحتمل إلا معنى واحد وهي المحكمة التي أحكم الشرع معناها ومدلولها
النصوص الظنية الدلالة فهي التي تحتمل أكثر من معنى وتكون محط اجتهاد الفقهاء حسب ما تستدعيه حاجة المسلمين من مصالح
الفقه علم مستنبط بالرأي من طرف الفقيه وهو عملية اجتهادية في نصوص الشريعة الإسلامية

الفرق بين الشريعة والقانون:

- الشريعة من وحي الله تعالى والقانون من وضع البشر
- القوانين الوضعية عرضة للتغيير والشريعة من وحي الله
- الشريعة قامت أساسا على العقيدة والأخلاق و القانون لا اعتبار فيه للفضائل والأخلاق ولا مجال للعقيدة
- العقوبات على الجرائم التي يقترفها الإنسان تختلف بين القانون والشريعة
- القانون يختص بالزمان والمكان والشريعة عامة لجميع الخلق ولكل المجتمعات

موضوعات الشريعة :

- أحكام عقدية: الإيمان بالله عز وجل (توحيد الربوبية ، توحيد الألوهية ، توحيد الأسماء والصفات) الإيمان بالقدر
- أحكام العبادات: الصلاة، الزكاة، الصوم
- أحكام أخلاقية: (النفس الأمارة بالسوء، النفس اللوامة، النفس المطمئنة)
- أحكام تتعلق بنظام الأسرة: الزواج، الإرث ..
- أحكام المعاملات المالية : علاقات الأفراد بغيرهم من الناحية المادية (عقود البيع، تجارة، رهن، مداينة، كفالة، ..)
- أحكام جنائية
- أحكام تتعلق بنظام الحكم
- أحكام مالية واقتصادية
- أحكام تتعلق بالعلاقات الدولية
الغاية من الشريعة الإسلامية:
- العلم بأحكام الله تعالى التي شرعها لعباده لأن الله لا يعبد بجهل
- تحقيق العبودية لله تعالى بهذه الأحكام

الشرائع السماوية السابقة:

المراد بها الديانات التي أنزلها الله تعالى على رسله السابقين ، وأشهر هذه الشرائع السماوية : شريعة التوراة، شريعة الإنجيل، شريعة القرآن
تتفق الشرائع السماوية في:
- المصدر فهي منزلة من عند الله تعالى
- في الغاية فكل الشرائع السماوية جاءت لدعوة الناس إلى عقيدة التوحيد وهي عبادة الله وحده
- في الثواب والعقاب فمما جاءت به الشرائع أن الإنسان يثاب حسب عمله ويعاقب حسب ما اقترف من الذنوب
- في الدعوة إلى مكارم الأخلاق فكل الشرائع السماوية السابقة كانت ترمي إلى إصلاح النفس والقيم الأخلاقية
تختلف الشرائع السماوية في بعض التشريعات والأحكام:
- غنائم الحرب
- الآصار والأغلال 
- التوبة
- الأطعمة

الأسس التي بنيت عليها أحكام الشريعة الإسلامية: 

قامت الشريعة الإسلامية على أساس اليسر في كل شئ ويتمثل في العوامل الآتية:
- رفع الحرج: فليس في التكاليف الشرعية شئ من الحرج والشدة وليس فيها ما يعسر على الناس وتضيق به صدورهم، وقد تنتقل الشريعة الإسلامية بالمكلف من العزيمة إلى الرخصة (العقيدة، وسوسة النفس، العبادات)
- تقليل التكاليف:تميزت الشريعة بقلة التكاليف حتى يسهل على المكلفين بها الامتثال
- التدرج في التشريع: فالتدرج من السنن الكونية

الخصائص العامة للشريعة الإسلامية:

1- ربانية الشريعة الإسلامية أي أنها من عند الله تعالى
2- الشريعة الإسلامية موصوفة بالعصمة والكمال والخلود أي سلامتها من التغيير والتبديل والتحريف
3- الشريعة الإسلامية عامة وعالمية فهي وحي منزل للعالمين وأحكامها لكافة البشر

مصادر الشريعة الإسلامية ومقاصدها وقواعدها الفقهية:

1- مصادر الشريعة الإسلامية ومقاصدها: المراد بها الأصول التي تستقي منها الأحكام الشرعية سواء في مجال العقيدة أو العبادات أو المعاملات أو الجنايات ،

- مصادر الشريعة النقلية الأصلية: وهي الكتاب والسنة

الناسخ والمنسوخ في الشريعة الإسلامية:
تعتبر معرفة الناسخ والمنسوخ من الركائز الاجتهادية في الشريعة الإسلامية إذ لا يفلح الفقيه المجتهد في اجتهاده إذا لم يعرف ويضبط النصوص المتقدمة من النصوص المتأخرة فقد يستنبط الأحكام الشرعية من أحد النصوص ثم تكون منسوخة فيتبين أن استنباطه واجتهاده كان عبثا
والنسخ هو الخطاب الدال على ارتفاع الحكم الثابت بالخطاب المتقدم على وجه لولاه لكان ثابتا مع تراخيه عنه
والنسخ إما يتعلق بنسخ الحكم والثلاوة والرسم وإما أن تنسخ التلاوة دون الحكم وإما أن ينسخ الحكم دون التلاوة
والنسخ إما أن يكون إلى بدل وهذا البدل إما أن يكون نسخا إلى بدل أخف أو نسخا إلى بدد أثقل أو نسخا إلى بدل مساو
السنة عند المحدثين هي ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقية أو خلقية أو سيرة سواء كان ذاك فبل البعثة أو بعدها وهي بهذا ترادف الحديث وهم بذلك أرادوا الرسول القدوة الإمام ومن ثم اعتبروا من السنة كل ما يتصل به صلى الله عليه وسلم من سيرة وخلق وشمائل وأخبار وأقوال وأفعال أما الأصوليين فعرفوا السنة على أنها كل ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير وقد بنوا تعريفهم على اعتبار الرسول المشرع عن الله تعالى الذي يضع للناس دستور حياتهم ومن ثم اعتنوا بأقواله وأفعاله وتقريراته التي تثبت الأحكام الشرعية وتقررها وتضع القواعد للمجتهدين من بعده، أما الفقهاء فعرفوا السنة على أنها كل ما ثبت عن النبي صدى الله عليه وسلم من غير افتراض ولا وجوب
حجية السنة : السنة جزء لا يتجزأ من الوحي ولذلك تعتبر حجة شرعية يجب الأخذ بها فيما تأمر به وتنهى عنه 

السنة أنواع ثلاثة:

1- السنة القولية وهي ما كان يصدر عن الرسول ص من أقوال في عدة مناسبات مختلفة ولأغراض متنوعة ويطلق عليها مصطلح الأحاديث النبوية
2- السنة الفعلية أو العملية ويقصد بها ما كان يصدر عن النبي ص من أفعال وأعمال وتصرفات في عدة مناسبات
3- السنة التقريرية: وهي أن يفعل أحد الصحابة فعلا فيقره عليه الرسول ص ويوافقه عليه إما بالسكوت وإما بالقول
تقسيم السنة من حيث النقل والسند:
أي باعتبار وصولها إلينا وقد قسمها العلماءإلى قسمين :
1- السنة المتواترة: وهي يرويها جماعة عن جماعة تحيل العادة تواطؤهم على الكذب 
وشروط السنة المتواترة:
* وجود عدد الرواة السابق في جميع طبقات السند
* وجود عدد الرواة السابق في جميع طبقات السند
* أن تحيل العادة تواطؤهم على الكذب
* أن يكون مستند خبرهم السمع أو الرؤية
والسنة المتواترة تنقسم إلى قسمين:
* السنة المتواترة اللفظية وهي التي تواتر لفظها
* السنة المتواترة المعنوية وهي التي تواتر معناها دون لفظها
2- سنة الآحاد: وهي التي لم يجتمع فيها شروط السنة المتواترة
وتنقسم سنة الآحاد بالنسبة إلى عدد طرقها إلى ثلاثة أنواع : خبر مشهور ، خبر عزيز ، خبر غريب
الخبر المشهور : هو ما رواه ثلاثة فأكثر في كل طبقة ما لم يبلغ حد التواتر
الخبر العزيز : هو ما كان عدد رواته اثنين في جميع طبقات السند
الخبر الغريب : هو ما ينفرد بروايته راو واحد إما في كل طبقات السند أو في بعضها
كما تنقسم سنة الآحاد بالنسبة إلى قوتها وضعفها إلى قسمين:
- خبر مقبول وهو ما يرجح صدق المخبر به وحكمه وجوب الاحتجاج والعمل به وينقسم إلى قسمين هما الحديث الصحيح والحديث الحسن
- خبر مردود وهو ما لم يترجح صدق المخبر به حكمه عدم العمل والاحتجاج به
الحديث الصحيح هو ما اتصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله من بداية السند إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة وبالتالي فشروط الحديث الصحيح هي :
- اتصال السند أي أن يأخذ كل راو عمن فوقه مباشرة
- العدالة أي أن يكون الراوي مسلما، بالغا، عاقلا، غير فاسق، وغير متصف بخوارم المروءة
- الضبط والمراد به ضبط الصدر أو ضبط الكتابة
- عدم الشذوذ والمراد به مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه
- عدم العلة وهي سبب غامض يقدح في صحة الحديث
الحديث الحسن : هو ما اتصل سنده بنقل العدل الذي خف ضبطه عن مثله، من بداية السند إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة وحكمه كالحديث الصحيح
الخبر المردود :
أسباب رد الحديث كثيرة لكنها ترجع عامة إلى أحد سببين رئيسيين هما : سقط من الإسناد وطعن في الراوي
الحديث الضعيف: هو ما لم يجمع صفة الصحيح ولا الحسن بفقد شرط من شروطه وهو أنواع: الضعيف، الضعيف جدا، الواهي، المنكر، وشر أنواعه الموضوع
وقد جوز بعض العلماء رواية الأحاديث الضعيفة -دون الموضوعية- وقيدوها بشرطين هما :
- ألا تتعلق بالعقائد كصفات الله تعالى 
- ألا تكون في بيان الأحكام الشرعية مما يتعلق بالحلال والحرام
وجوزوا روايتها في المواعظ والترغيب والترهيب والقصص وما أشبه ذلك
وقد اختلف العلماء في العمل بالحديث الضعيف والذي عليه العلماء أنه يستحب العمل به في فضائل الأعمال ولكن بشروط ثلاثة:
1- أن يكون الضعف غير شديد
2- أن يدخل الحديث تحت أصل معمول به
3- ألا يعتقد عند العمل به ثبوته بل يعتقد الاحتياط
الحديث المعلق: إذا سقط راوٍ فأكثر من مبدأ إسناده سمي الحديث عند المحدثين معلقاً وحكمه أنه لا يجب العمل به لأنه فقد شرطا من شروط القبول وهو اتصال السند مع عدم العلم بحال المحذوف
الحديث المرسل : إذا سقط راوٍ فأكثر من آخر السند سمي الحديث مرسلا
الحديث الموضوع : إذا كان سبب الطعن في الحديث هو كذب الراوي سمي الحديث موضوعا (الكذب المصنوع المنسوب إلى رسول الله ص)
نصوص السنة على ثلاثة أقسام:
1- ما كان مؤيدا لأحكام القرآن موافقا له من حيث الإجمال والتفصيل
2- ما كان مبينا لأحكام القرآن من تفصيل مجمل وتخصيص عام وتقييد مطلق
3- الإضافة أي إضافة السنة حكما جديدا سكت عنه القرآن

مصادر الشريعة الاجتهادية التبعية:

سميت اجتهادية لأنها تعتمد على عملية الاجتهاد لأن الفقيه يبحر بعقله في نصوص الشريعة العامة ليستخرج منها الجزئيات التي يمكن أن تنطبق على النازلة التي لم يرد فيها نص معين، وسميت تبعية لكونها ترجع إلى المصادر النقلية فهي تابعة لها وليست مصادر ذاتية فالاجتهاد لا يمكن أن يكون من فراغ بل لابد أن يكون له مستند من نص عام أو مقصد من مقاصد الشريعة التي تهدف إلى دفع المفاسد وجلب المصالح للأمة الإسلامية

وتنقسم مصادر الشريعة الاجتهادية إلى مطالب :

1- الإجماع وهو المصدر الثالث من مصادر التشريع الإسلامي وهو أول مصدر أصله الصحابة رضي الله عنهم، والإجماع اصطلاحا هو اتفاق مجتهدي الأمة الإسلامية بعد وفاة الرسول ص في عصر من العصور على حكم شرعي
وقد ذهب جمهور العلماء على أن الإجماع حجة وأصل من أصول التشريع الإسلامي ومصدر من مصادر الشريعة الإسلامية
المراد بمستند الإجماع الدليل الذي يعتمد عليه المجتهدون فيما أجمعوا عليه
2- أقوال الصحابة رضي الله عنهم: 
تعريف الصحابي: 
عند المحدثين: من صحب النبي ص من المسلمين أو رآه ولو ساعة من نهار
عند علماء الأصول: ينبغي أن يجتمع فيه أمران أحدهما أن يطيل مجالسة رسول الله ص والآخر أن يطيل المكث معه على طريق التبع له والأخذ عنه والاتباع له
والخلاصة التي يمكن أن نتوصل إليها أن معنى الصحابي يطلق على من لقي النبي ص وآمن به ومات على ذلك سواء لازمه أو لم يلازمه
الطرق التي يعرف بها الصحابي:
- أن يثبت بطرق التواتر أنه صحابي
- أن يثبت بطريق الاستفاضة والشهرة القاصرة عن حد التواثر 
- إخبار بعض الصحابة أنه صحابي
- أن يخبر عن نفسه أنه صحابي إذا كان ثابت العدالة والمعاصرة للنبي ص
3- القياس: هو إلحاق صورة مجهولة الحكم بصورة معلومة الحكم لأجل أمر جامع بينهما يقتضي ذلك الحكم
للقياس أربعة أركان :
- أصل مقيس عليه وهو الذي ثبت به النص
- وفرع هو الذي أريد إلحاقه بالأصل في الحكم
- وعلة هي الوصف المنضبط الذي بني عليه حكم الأصل ووجد في الفرع
- وحكم هو الذي ثبت للأصل وأعطي للفرع
4- الاستحسان : تعددت تعاريف العلماء
- الاستحسان هو القول بأقوى الدليلين
- هو ترك حكم إلى حكم هو أولى منه
- هو ترك القياس في مسألة ما ، والأخذ بما هو أوفق للناس
5- المصلحة المرسلة : هي المصلحة التي لم يدل دليل خاص على اعتبارها أو إلغائها، وسميت مرسلة أي مطلقة غير محدودة بدليل معين أو حالة معينة فهي تدخل تحت الأدلة العامة التي تنطبق على مثيلاتها
شروط العمل بالمصلحة المرسلة :
- أن تنضوي تحت عموم نص شرعي أو مقصد شرعي بحيث لا تتنافى مع النص الشرعي وإلا كانت ملغاة 
- أن تكون مصلحة عامة وليست خاصة بحيث تحقق النفع لأكبر عدد في المجتمع
- أن تكون مصلحة معقولة في ذاتها ، لا تعبدية لأن الأمور التعبدية لا اجتهاد فيها ولا تعلل ولا يدخلها قياس 
- أن يكون حاصل المصلحة المرسلة يرجع إلى حفظ أمر ضروري شرعا، أو رفع حرج في الدين ، أي اندراجها تحت المقاصد الشرعية سواء كانت ضرورية أم حاجية.
6- سد الذريعة: الذريعة هي كل ما يفضي إلى مصلحة أو مفسدة فإذا كانت تؤدي إلى الحرام أو إلى المفسدة وجب سدها واجتنابها ولو كانت في الظاهر مباحة وجائزة، وإذا كانت تؤدي إلى مصلحة أو إلى حلال وجب فتح بابها والعمل بها
والشريعة الإسلامية كما منعت ما فيه مفسدة بداية ، منعت كذلك ما فيه مفسدة نهاية وهذا ما يسمى بسد الذرائع أو اعتبار المآلات.
7- العرف: ما تعارفه الناس واعتادوه وساروا عليه من قول أو فعل أو ترك، والعرف يرادف العادة عند أغلب الأصوليين . 
ويقسم العرف إلى قسمين : 1- عرف فاسد، 2 - عرف صحيح
8- الاستصحاب: وهو أن ما ثبت في الزمن الماضي فالأصل بقاؤه في الزمن المستقبل أي الحكم على الشئ بالحال التي كان عليها من قبل حتى يقوم دليل على تغيير تلك الحال، وهو نوعان 
- استصحاب حكم العقل بالإباحة أو البراءة الأصلية عند عدم وجود الدليل على خلافه 
فالأصل في الأشياء الإباحة / والأصل في الذمة البراءة
- استصحاب حكم شرعي ثبت بالدليل ولم يقم دليل على تغييره، فاليقين لا يزول بالشك / الأصل بقاء ما كان على ما كان حتى يثبت خلافه

مقاصد الشريعة:

 المقاصد في الشريعة الآسلامية هي جلب المصالح ودرء المفاسد عن الأمة، فالغاية من المقاصد الشرعية هي تحقيق مصلحة أو دفع مفسدة وعن طريقهما يحقق الإنسان عبوديته لله تعالى ، والمقاصد ثلاثة أنواع : مقاصد ضرورية، ومقاصد حاجية ، ومقاصد تحسينية.
- المقاصد الضرورية هي التي تقوم على مصالح الناس في دينهم ودنياهم ، بحيث إذا انعدمت اختل النظام العام في حياة الأمة وعمت الفوضى واضطربت الأمور وانتشر الفساد، وهي خمسة ؛ حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ النسل، وحفظ المال، وحفظ العقل ، فقد حافظت الشريعة على هذه الضروريات من ناحيتين: تحققها وإيجادها وإقامتها ومن حيث بقاؤها واستمرارها.
- المقاصد الحاجية: هي التي يحتاج إليها الناس لرفع المشقة ودفع الحرج عنهم، بتخفف أعباء التكليف عنهم وتسهيل سبل حياتهم 
- المقاصد التحسينية: المراد بها الأخذ بما يليق من محاسن العادات ومكارم الأخلاق وتجنب ما تأباه النفوس الكريمة وتألفه العقول الراجحة ويتنافى مع مقتضيات المروءة والكرامة الإنسانية.
القواعد الفقهية:
المراد بالقاعدة في اللسان العربي أساس الشئ وأصله الذي يبنى عليه، وبالتالي فالقواعد الفقهية هي الأسس والأصول التي تبنى عليها فروع الشريعة الإسلامية
القاعدة إذن هي حكم كلي متصف بالإيجاز في صياغته مع استيعابه لمعظم جزئياته
ومعنى الحكم هنا إما خطاب المشرع وهذا الخطاب إما يكون مباشرة وهو نص القرآن الكريم أو بواسطة وهو نص السنة المطهرة أو عن طريق الكشف عن الحكم ودليله وهذا يدخل في العمل الاجتهادي الذي يكون بواسطة الإجماع أو القياس أو الاستحسان أو المصالح المرسلة وغيرها من المصادر التبعية الاجتهادية أو عن طريق مقاصد الشريعة التي تقوم أساسا على جلب المصالح ودفع المفاسد.
وإما أن يراد بالحكم الأثر الذي يقتضيه خطاب المشرع من الوجوب والحرمة والإباحة وغيرها من الأحكام الشرعية وهذه الأحكام أخذت أيضاً من الدليل.
وعليه فإن القاعدة الفقهية هي حكم شرعي يستند إلى نص شرعي (فكل هذه المعاني تتضمنها كلمة حكم)
أما معنى كلي أي أنها تضم جزئيات كثيرة جعلها تتصف بالكلية
أما جملة "متصف بالإيجاز في صياغته" فمعناها أن القاعدة الفقهية تصاغ في نصوص موجزة
ونقصد بمعظم الجزئيات أي أن أحكامها توصف بالأغلبية إذ قد تستثنى منها بعض الأحكام

خصائص القاعدة الفقهية:

الخاصية الأولى: القاعدة الفقهية تعتمد على مستند شرعي 
الخاصية الثانية: تتميز القاعدة الفقهية بالكلية والعموم والشمول أي أنها تأتي بلفظ عام محكم ليستوعب ويحتضن كل ما يدخل تحتها من جزئيات
الخاصية الثالثة: اتصافها بالإيجاز في صياغتها
الخاصية الرابعة: الاستيعاب لمعظم الجزئيات الفقهية

مصادر القاعدة الفقهية:

القواعد الفقهية إما أن يكون مصدرها دليلا نقليا أو دليلا اجتهاديا
1- قواعد فقهية مصدرها دليل نقلي:
- القواعد الفقهية التي مصدرها صريح النص: وهي إما أن تؤخذ من صريح لفظه وإما أن تستشف من معناه عن طريق الاستنباط
- القواعد التي مصدرها الاستنباط من النص
2- قواعد فقهية مصدرها دليل عقلي: وهو الذي يكشف عن الحكم الشرعي بواسطة الاجتهاد ، هذا الاجتهاد يكون طريقه القياس وسد الذرائع والاستصحاب والعرف وغيرها

الفرق بين القاعدة الفقهية والضابط الفقهي:

يقول السيوطي القاعدة تجمع فروعا من أبواب شتى والضابط يجمع فروع بال واحد
وعليه فإن الضابط الفقهي أخص والقاعدة الفقهية أعم من حيث استيعاب الفروع الفقهية ، فقد تشمل القاعدة الفقهية الواحدة مجال العبادات والمعاملات والجنايات بخلاف الضابط الفقهي فإنه يتعلق بباب من أبواب العبادات أو المعاملات أو الجنايات فمثلا قاعدة "الضر يزال" تشمل إزالة الضرر في العقيدة والعبادة والمعاملات والجنايات أما الضابط فلا يشمل هذا كله مثال "كل ما يعتبر في سجود الصلاة يعتبر في سجود التلاوة" فهذا خاص بباب الصلاة فقط.
الفرق بين القاعدة الفقهية والنظرية الفقهية:
النظرية الفقهية هي عبارة عن تجميع لشتات من المعلومات ودراستها ثم إدخالها تحت فكرة واحدة كنظرية السبب مثلا ونظرية الضمان ونظرية العقد ونظرية الغلط وهكذا .. لكن القاعدة الفقهية أشمل من النظرية إذ قد يدخل في القاعدة الفقهية عدة نظريات فقهية، فالنظرية الفقهية ما هي إلا جزئية من الجزئيات الفقهية التي تضمها القاعدة الفقهية
الفرق بين القاعدة الفقهية والقاعدة الأصولية: القاعدة الأصولية تخدم القاعدة الفقهية ، فالقاعدة الأصولية تعبد الطريق للفقيه لإيجاد القاعدة الفقهية، ويستعين بمنهج القاعدة الأصولية على فهم النصوص وما تدل عليه، وعلى ترجيح ما هو راجح مما هو مرجوح، وبها أيضاً يدرك الناسخ من المنسوخ من الأحكام، فلا يدخل في فروع القاعدة الفقهية إلا الناسخ دون المنسوخ . 

الثلاثاء، 28 مارس 2017

الحقوق العينية والحقوق الشخصية

الحقوق العينية والحقوق الشخصية :

مقدمة:
*- المبحث الأول : الحقوق العينية ( تعريفها ) .
  المطلب الأول :الحقوق العينية الأصلية.
  الفرع الأول : حق الملكية.
  الفرع الثاني : الحقوق المتجزئة عن حق الملكية.
1- حق الانتفاع.
2- حق الارتفاق.
3- حق الاستعمال و حق السكن.
  المطلب الثاني: الحقوق العينية التبعية.
  الفرع الأول : الرهن الرسمي.
  الفرع الثاني : الرهن الحيازي.
  الفرع الثالث : حق التخصيص.
الفرع الرابع : حقوق الامتياز.
  المبحث الثاني الحقوق الشخصية ( تعريفها ).
  المطلب الأول :أركان الحق الشخصي.
  المطلب الثاني :محاولة التقريب بين الحق الشخصي و الحق العيني.
  الفرع الأول : المذهب الشخصي.
  الفرع الثاني : المذهب المادي.
  المطلب الثالث: المقارنة بين الحق الشخصي و الحق العيني.
الخاتمة


مقدمة:

إن الشخص باعتباره عضوا ضروريا في المجتمع قد ثبتت له حقوق باعتباره مالكا لشيء مادي و تسمى الحقوق العينية الأصلية، و قد يكون الحق الوارد على هذا الشيء مجرد حق انتفاع أو حق ارتفاق أو حق سكني و هذه هي الحقوق العينية المتفرعة عن حق الملكية.
كما قد تكون للدائن في مواجهة مدينه سلطة يقررها القانون و سمي هذا الحق حقا شخصيا.
فماذا نعني بكل من الحقوق العينية و الحقوق الشخصية، و ما هي أوجه الاختلاف بين كل منهما ؟.

المبحث الأول: الحقوق العينية.

الحق العيني هو الحق الذي يرد على شيء مادي و يخول صاحبه سلطة مباشرة على هذا الشيء، فيكون لصاحب الحق استعماله مباشرة دون حاجة إلى تدخل شخص آخر ليمكنه من استعمال حقه، فلا بوجد وسيط بين صاحب الحق و الشيء موضوع الحق، و تطلق على هذه الحقوق بتسمية ( العينية ) لأنها متعلقة بالعين أو الشيء المادي، و تنقسم إلى نوعين:
- الحقوق العينية الأصلية: و هي حقوق عينية تقوم بذاتها دون حاجة إلى وجود حق آخر تتبعه.
- الحقوق العينية التبعية: و هي حقوق لا تقوم مستقلة بذاتها، و إنما تستند في وجودها إلى حق شخصي آخر لضمانه و تأمين الوفاء به ( فهي ضمانات أي تأمينات عينية )

المطلب الأول: الحقوق العينية الأصلية.

- تنقسم هذه الحقوق إلى حق الملكية و الحقوق المتجزئة عن الملكية
الفرع الأول: حق الملكية:
خصائصها: هي من أهم الحقوق، وتخول لصاحبها سلطة كاملة على الشيء. و يتميز بأنه حق جامع و مانع و دائم لا يسقط بعدم الاستعمال.
1-الحـــق الجـــامع: يـخـول لصاحـبه جـميع المزايا الــتي يـمـكـن الحـصول عليها من الشيء و السلطات التي يخولها حق الملكية هو حق الاستعمال، الاستغلال ، و التصرف.
حق الاستعمال : هو استخدام الشيء فيما هو يعد له باستثناء الثمار، كالسكن مثلا و ركوب الحيوان.
حق الاستغلال : هو القيام بالأعمال اللازمة للحصول على ثمار الشيء باستخدام دار للسكن هو استعمال لها أما تأجيرها فهو استغلال لها.
حق التصرف : فللمالك الحق في التصرف المادي و القانوني في منافع الشيء و في رقبته و هذا حق خاص بالمالك ، إذ أن صاحب حق الانتفاع يكون له فقط حق في استعمال الشيء و استغلاله فقط دون رقبة الشيء، لأن ملكية الرقبة لا تكون إلا للمالك.
2-الحق المانع : حق الملكية هو حق مقصور على صاحبه، و يمكنه من الاستئثار بمزايا ملكه
3-الحق الدائم : حق الملكية يدوم بدوام الشيء بينما الحقوق الأخرى ليست لها صفة الدوام.
4-حق الملكية لا يسقط بعدم الاستعمال : إذا كان حق الملكية لا يسقط بعدم الاستعمال فإن حق الارتفاق و حق الانتفاع و حق السكن تنتهي بعدم الاستعمال.
الفرع الثاني : الحقوق المتجزئة عن حق الملكية .
- إن المالك قد يستعمل و يستغل حق الملكية بنفسه و قد يتصرف الغير في هذين الحقين معا، و يسمى بحق الانتفاع، كما قد يتصرف في حق الاستعمال فقط و قد يحد المالك من منفعة عقاره لمصلحة عقار آخر و يسمى هذا حق الارتفاق، و يبقى المالك في جميع هذه الحالات حق التصرف في العين لهذا يسمى بمالك الرقبة.
أولا : حق الانتفاع .
تنص المادة 844 مدني على ما يلي : ( يكتسب حق الانتفاع بالتعاقد و بالشفعة و بالتقادم أو بمقتضى القانون (1).
يجوز أن يوصى بحق الانتفاع لأشخاص المتعاقدين (2) ، إذا كانوا موجودين على قيد الحياة وقت الوصية، كما يجوز أن يوصى به للحمل المستكين).
- و حق الانتفاع حق عيني يمكن المنتفع من ممارسة سلطته على العين دون وساطة أي شخص كما يشمل هذا الحق الاستعمال و الاستغلال و ينتهي بموت المنتفع أو بانقضاء الأجل المعين له ( المادة 852 )، كما ينتهي بهلاك الشيء ( المادة 853 ) أو ينتهي كذلك بعدم استعماله لمدة 15 سنة.
يرد حق الانتفاع على الأموال العقارية و المنقولة كالمركبات و الآلات و المواشي كما يخول هذا الحق المنتفع حق استعمال الشيء لاستمتاعه الذاتي أو لصالحه الشخصي و يكون المنتفع ملتزم بالمحافظة على الشيء و رده لصاحبه عند نهاية الانتفاع (المادة 849) مدني.
ثانيا : حق الارتفاق :
- تعريفه-
تعرفه المادة ( 867 ) مدني على أنه ( حق يجعل حدا لمنفعة عقار لفائدة عقار آخر لشخص آخر) و يكتسب حق الارتفاق بمقتضى القانون، و قد سبق أن تعرضنا له عند الكلام عن القيود القــانونـية الواردة على حـق الـملكيـة، كـمـا يـكـتسب بالعقد و بالـوصية و بالـميراث و بالتقادم إلا أنه لا تكتسب بالتقادم الارتفاقات الظاهرة و المستمرة ( 868 مدني ) .
و قد يكون حق الارتفاق عملا إيجابيا أو سلبيا، فإنه يعتبر تكليفا يجد من منفعة العقار المرتفق به لمصلحة عقار آخر.
كما أن لحق الارتفاق شروطا نذكر منها :
- أنه يجب أن يكون العلاقة بين عقارين، عقار مرتفق و عقار مرتفق به.
- يجب أن يكون العقارين مملوكين لشخصين مختلفين.
- يجب أن يكون التكليف مفروضا على العقار المرتفق به ذاته فلا يجوز أن يكزن حق الارتفاق التزاما شخصيا مفروضا على مالك العقار المرتفق به.
- يجب أن يكون التكليف لمصلحة عقار و ليس لفائدة شخص.
---------
1- لقد ذكرت المادة 844 مدني بأنه يكمن أن يكتسب حق الانتفاع بمقتضى القانون متأثرا في ذلك بالقانون المدني الفرنسي الذي يمنح للزوج الباقي على قيد الحياة حق الانتفاع قانوني بأموال الزوج المتوفس في إطار ما قررته المادة 767 مدني و كذلك للأولياء حق انتفاع قانوني بأموال أولادهم القصر و عديمي الأهلية.
2-النص العربي للمادة 844/2 خاطئ في ذكر كلمة (متعاقدين) و صحتها متعاقبين أنظر على سليمان : ضرورة إعادة النظر في القانون المدني ص 178، النص الفرنسي لهذه المادة ذكر كلمة Successives و كان موفقا في ذلك
انتهاء حق الارتفاق : ينتهي حق الارتفاق بالأسباب التالية :
- بانقضاء الأجل المحدد له ( المادة 878 ) .
- بهلاك العقار المرتفق كليا ( المادة 878 ) .
- باجتماع العقار المرتفق به و العقار المرتفق في يد مالك واحد ( المادة 878 ) .
كما ينقضي هذا الحق بعدم استعماله لمدة 10 سنوات ( المادة 879 ) مدني .
أو ينقضي إذا فقد حق الارتفاق كل منفعة للعقار أو بقيت له فائدة محدودة لا تتناسب مع الأعباء الواقعة على العقار المرتفق به ( المادة 881 ) مدني .
ثالثا : حق الاستعمال و حق المسكن .
تنص المادة 855 مدني على ما يلي : ( نطاق حق الاستعمال و حق السكن يتحدد بقدرها يحتاج إليه صاحب الحق و أسرته و خاصة أنفسهم، و ذلك دون الإخلال بالأحكام التي يقررها المنشئ للحق ) .
فحق الاستعمال يخول صاحبه استعمال الشيء لنفسه و لأسرته، لذلك سمي حق الاستعمال الشخصي، فهو حق انتفاع في نطاق محدود إذ ليس لصاحبه للاستعمال و الانتقال كما هو الشأن في الانتفاع، و إنما لصاحبه الحق في استعمال الشيء في حدود ما يحتاجه هو و أسرته لخاصة أنفسهم.
أما حق السكن هو عبارة عن حق الاستعمال الوارد على العقارات المبنية، فإذا كان لشخص حق استعمال منزل مملوك للغير، فإن حقه يقتصر على السكن فقط و ليس له الحق في تأجير للغير أو في التصرف به.
المطلب الثاني : الحقوق العينية التبعية .
تقرر هذه الحقوق ضمانا للوفاء بالالتزامات، لذا سميت بالتأمينات العينية أو الضمانات . . . .
و الأصل أنه يجب على المدين تنفيذ التزامه تنفيذا عينيا، أي أنه يجب عليه أن يقوم بعين ما التزم به، و في هذا الصدد تنص المادة 160 على أن ( المدين ملزم بتنفيذ ما تعهد به ).
فإذا لم يقم الدائن بتنفيذ التزامه استطاع الدائن إجباره على ذلك، أي أن الدائن يحرك عنصر المسؤولية في الالتزام و ذلك برفع دعوى لإجبار المدين على تنفيذه و في هذا الصدد تنص المادة 164 مدني على أنه ( يجبر المدين بعد إعذاره ..... على تنفيذ التزامه تنفيذا عينيا متى كان ذلك ممكنا ) .
و التنفيذ على أموال المدين تحكمه قاعدة عامة، و هي أن كل أموال المدين ضامنة للوفاء بديونه، و أن الدائنين متساويين في الضمان و هذا ما يعرف بالضمان العام، و هو ما نصت عليه المادة 188 مدني بقولها ( أموال المدين جميعها ضامنة لوفاء ديونه) و في حالة عدم وجود حق أفضلية مكتسب طبقا للقانون فإن جميع الدائنين متساويين اتجاه هذا الضمان.
و القول أن جميع أموال المدين ضامنة للوفاء بديونه يعني أن مسؤولية المدين عن الوفاء
بالتزامه مسؤولية غير محددة بمال معين بذاته، و القول أيضا أن جميع الدائنين متساوون في الضمان يعني أنه لا أفضلية لأحدهم على غيره، أيا كان تاريخ نشوء حقه، فالدائن السابق حقه، فالدائن السابق حقه في النشوء لا يمكن أن يدعي الأفضلية على الدائن المتأخر حقه في النشوء.
فإذا لم تكن أموال المدين كافية للوفاء بكل حقوق الدائنين، فيقسمونها قسمة غرماء، أي كل واحد منهم سيوفي حقه بنسبة قيمة دينه.
كما تنقسم هذه الحقوق إلى عدة أنواع و هي كالآتي :
الفرع الأول : الرهن الرسمي.
عرفت المادة 882 الرهن بقولها(( الرهن الرسمي عقد يكسب به الدائن حقاً عينيا على عقار لوفاء دينه، يكون له بمقتضاه أن يتقدم على الدائنين التاليين له في المرتبة في استفاء حقه من ثمن ذلك العقار في أي يد كان)).
و قد عرفه المشرع باعتباره حقا، إذا الحق هو الغاية، و العقد هو وسيلة نشوء هذا الحق و لذا فيتحسن تعريف الرهن الرسمي بأنه حق عيني تبعي، ينشأ بمقتضى عقد رسمي ضمانا للوفاء بالتزام.
و كقاعدة عامة لا يرد الرهن الرسمي إلا على العقارات و هذا ما نصت عليه المادة886/1 بقولها : (( لا يجوز أن ينعقد الرهن إلا على عقار ما لم يوجد نص يقضي بغير ذلك)).
و استثناءا يرد الرهن الرسمي على بعض المنقولات التي يمكن شهرها ( كالسفينة) و قد يكون العقار المرهون مملوكا للمدين نفسه أو مملوكا للغير إذ تنص المادة 884 / 1 على أنه (( يجوز أن يكون الراهن هو المدين نفسه أو شخصا آخر يقدم رهنا لمصلحة المدين)).
و يعتبر حق الدائن المرتهن في استفاء حقه من ثمن العقار بالأفضلية هو جوهر الرهن الرسمي
و يقصد بالأفضلية حق المرتهن في التقدم على غيره من الدائنين العاديين و الدائنين المرتهنين التاليين في المرتبة و تتحدد مرتبة الدائن المرتهن بالقيد، أي أن الدائن الذي قيد حقه الأول يكون في المرتبة الأولى ، و من يقيد بعده يكون في المرتبة الثانية و هكذا........
و في الرهن الرسمي لا ينتقل الراهن حيازة العقار المرهون إلى الدائن المرتهن بل تبقى الحيازة و كذلك الملكية للمالك و هو المدين الراهن و يكون بين الدائن عقد رسمي يقرر له حق الرهن.
الفرع الثاني : الرهن الحيازي.
تعرف المادة 984 الرهن الحيازي كما يلي : (( الرهن الحيازي عقد يلتزم به شخص ضمانا لدين عليه أو على غيره، بأن يسلم إلى الدائن أو إلى أجنبي يعينه المتعاقدان، شيء يترتب عليه الدائن حقا عينيا يخوله حسب الشيء إلى أن يستوفي الدين و أن يتقدم الدائنين العاديين و الدائنين التاليين له في المرتبة في أن يتقاضى حقه من ثمن هذا الشيء في أي يد يكون )).
فالرهن الحيازي حق عيني ينشأ بمقتضى عقد، و يخول الدائن المرتهن سلطة مباشرة على مال يحبسه في يده أو في يد الغير، و سيوفي منه حقه قبل الدائنين العاديين و الدائنين التاليين له في المرتبة في أي يد يكون هذا المال.
و يرد الرهن الحيازي إما على عقار أو على منقول و لقد نصت المادة 949 على أنه:(( لا يكون محلا الرهن الحيازي إلا ما يمكن بيعه استغلالا بالمزاد العلني من منقول أو عقار )).
و يتميز الرهن الحيازي أساسا بانتقال الحيازة من الراهن إلى المرتهن أو إلى الغير يعينه المتعاقدان، هذا ما نصت عليه المادة 951 (( ينبغي على الراهن تسليم الشيء المرهون إلى الدائن أو إلى الشخص الذي يعينه المتعاقدان لتسليمه)) (1).
و يخول الرهن الحيازي للدائن المرتهن حبس الشيء المرهون إلى حين استيفاء حقه، و في هذا الصدد تنص المادة 962 مدني على أنه: (( يخول الرهن الدائن المرتهن الحق في حبس الشيء المرهون على (2) الناس كافة،... )).
و يبقى الدائن المرتهن حابسا للشيء المرهون، فإذا وفى المدين الدين، وجب على الدائن المرتهن رد الشيء المرهون إلى مالكه ( المدين )، هذا ما نصت عليه المادة 959 مدني بقولها (( يجب على الدائن أن يرد الشيء المرهون إلى الراهن بعد استفاء كامل حقه و ما يتصل بالحق من ملحقات و مصاريف و تعويضات)).
و لما كانت حيازة الشيء المرهون تنتقل إلى المرتهن و يبقى عنده إلى حين استفاء حقه فإنه يجب عليه أن يحافظ عليه و يقوم بصيانته بعناية و يكون مسئولا عن هلاك الشيء إذا كان هذا الهلاك ناتجا عن تقصير منه، هذا ما قررته المادة 955 بقولها:
(( إذا تسلم الدائن المرتهن الشيء المرهون فعليه أن يبذل في حفظه و صيانته من العناية ما يبذله الشخص المعتاد و هو مسئول عن هلاك الشيء أو تلفه ما لم يثبت أن ذلك يرجع لسبب لا يد له فيه)).
الفرع الثالث: حق التخصيص le droit d’affection :
إن المشرع لم يضع تعريفا دقيقا للتخصيص و يمكننا أن نعرفه بأنه حق عيني تبعي يتقرر للدائن على عقار أو أكثر من عقارات المدين بمقتضى حكم واجب التنفيذ الصادر بالتزام المدين بالدين، و يخول الدائن التقدم على الدائنين العاديين و التاليين له في المرتبة في استفاء حقه من المقابل النقدي لذلك العقار في أي يد يكون. (3)
* و يتقرر هذا الحق بحكم من رئي المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها العقار بناء على عريضة يتقدم بها طالب التخصيص ( المادة 941 من القانون المدني).
* و يتقرر حق التخصيص لمصلحة الدائن ضمانا لاستفاء حقه و على رئيس المحكمة مراعاة مقدار الدين و قيمة العقارات ( المادة 937 من القانون المدني).
* و يرد على العقارات المملوكة للمدين دون المنقولات، إذ تنص المادة 940 على أنه (( لا يجوز أخذ حق التخصيص إلا على عقار أو عقارات معينة مملوكة للمدين وقت قيد هذا التخصص، وجائز بيعها بالمزاد العـلني)).
و للدائن الذي حصل على حق التخصيص على عقارات مدينة حث التقدم على الدائنين التاليين له أي الدائنين الذين قيدوا حقوقهم بعده، إذ الأولوية تقرر بالأسبقية في القيد كم في الرهن الرسمي، و كذلك يخول حق التخصيص تتبع العقار في أي يد يكون للتنفيذ عليه و استفاء حقه.
---------
1- النص العربي خاطئ في ذكر كلمة ( لتسليمه) بدلا من ( تسلمه).
2- النص العربي للمادة 962 خاطئ في ذكر كلمة ( على ) بدلا من كلمة ( عن ) و الصحيح هو ((..حبس الشيء المرهون عن الناس...)). أنظر علي سليمان : ضرورة إعادة النظر في القانون المدني الجزائري ص 187 .
3- د. إبراهيم نبيل سعد : التأمينات العينية و الشخصية، منشأة المعارف الإسكندرية ص 159.
الفرع الرابع: حقوق الامتياز les privilèges.
إن حق الامتياز هو كما عرفته المادة 982 / 1 على أنه (( أولوية يقررها القانون لدين (1) معين مراعاة منه لصفته))، و يستنتج من هذا التعريف أن المشرع أبرز فيه جوهر حق الامتياز و هو الأفضلية يقررها القانون و منه نجد أن مصدر حق الامتياز هو القانون على خلاف الحقوق العينية التبعية الأخرى، و هذه الأولوية التي يقررها القانون تكون مراعاة لصفة معينة في الحق المضمون، و تقرير المشرع لهذه الأولوية بالنظر لصفة في الحق تمليها أحيانا المصلحة العامة مثل : امتياز المبالغ المستحقة للخزينة العامة، و أحيانا أخرى لاعتبارات اجتماعية كما هو الشأن بالنسبة للامتياز المقرر للإجراء ضمانا لحقوقهم قبل رب العمل، كما قد يراعي المشرع مساهمة الدائن في إدخال المال في ذمة المدين، فيقرر اعتبار لذلك حق امتياز، كامتياز بائع العقار و بصفة عامة، لكل حق امتياز حكمة تبرره.
و قد ترد حقوق الامتياز عل جميع أموال المدين و تسمى بحقوق الامتياز العامة، و هذا ما نصت عليه المادة 984 : (( ترد حقوق الامتياز العامة على جميع أموال المدين من منقول و عقار........))، كامتياز الأجرة المستحقة للخدم و النفقة للأقارب عن 6 أشهر الأخيرة، و هذا ما نصت عليه المادة 993.
إن الحقوق الامتيازية العامة تخول للدائن صاحب حق الامتياز استفاء حقه بالأولوية من أموال المدين وقت التنفيذ عقارات كانت أو منقولات، أما حقوق الامتياز الخاصة فهي ترد على عقار أو على منقول معين، و تنص المادة 984 على أن (( حقوق الامتياز الخاصة تكون مقصورة على منقول أو عقار معين..))، و من هذه الامتيازات الخاصة الواردة على المنقول : امتياز صاحب الفندق على المنقولات المملوكة للنزيل و هذا ما نصت عليه المادة 986 مدني: (( المبالغ المستحقة لصاحب الفندق في ذمة النزيل عن أجرة الإقامة...)).
و من الامتيازات الخاصة الواردة على عقار: امتياز بائع العقار على العقار المبيع و هذا ما نصت عليه المادة 999 بقولها: (( ما يستحق لبائع العقار من الثمن و ملحقاته يكون له امتياز على العقار المبيع....))، و لدينا امتيازات المقاولين و المهندسين المعماريين الذين قاموا بتشييد البناء و هذا ما نصت عليه المادة 1000 من القانون مدني.
و تتميز هذه الامتيازات أنها حقوق عينية تمنح لصاحبها حق التقدم على ثمن المال التي تقررت عليه، و مرتبة التقدم يحددها القانون.
--------
1- النص العربي خاطئ و الصحيح هو (( أولوية يقررها القانون لحق معين مراعاة منه لصفته)). أنظر النص الفرنسي لهذه المادة : privilège est un droit de préférence concédé par la loi au profit d’une créance déterminée en considération de sa qualité
فالدين لا يكون له امتياز و إنما الامتياز يكون للحق، أنظر علي سليمان : ضرورة إعادة النظر في القانون المدني الجزائري ص 256-257.

المبحث الثاني : الحق الشخصي .

تعريف : هو سلطة يقررها القانون للشخص الدائن قبل شخص آخر يسمى المدين، تمكنه من إلزامه بأداء عمل أو الامتناع عنه تحقيقا لمصلحة مشروعية الدائن.
حيث من ناحية الدائن يسمى: حقا.
و من ناحية المدين يسمى: إلزاما.
* و يتميز الحق الشخصي بأنه لا يمكن صاحبه الحصول على حقه إلا بتدخل المدين، مثلا: رب العمل لا يستطيع أن يقتضي حقه إلا بتدخل المدين"العامل" و على هذا يختلف الحق الشخصي عن الحق العيني الذي هو سلطة مباشرة على الشيء و لا يستلزم وساطة بين صاحــب الحــق و الــشيء محـل الحق، و سيتناول هذا المبحث أركان الحق الشخصي والمذاهب التي حاولت التقريب بين الحق الشخصي و العيني و في الأخير نتناول المقارنة بين الحق الشخصي و الحق العيني.

المطلب الأول : أركان الحق الشخصي

إن أركان الحق الشخصي تنقسم إلى :
1- طرفا الحق: و هما الدائن صاحب الحق و المدين الملتزم بالحق.
2- محل الحق : و هو إما أن يكون إعطاء شيء أو القيام بعمل أو الامتناع عن عمل.
و الالتزام بالقيام بعمل هو التزام إيجابي أما الالتزام بالامتناع عن عمل ما هو التزام سلبي فمثلا :
-التزام المقاول ببناء منزل هو التزام ايجابي .
- التزام التاجر بعدم منافسة من باع له المحل التجاري و التزام الجار بعدم تعلية البناء إلى حد ما هو التزام سلبي .
أما الالتزام بإعطاء شيء هو الالتزام بالقيام بكل ما هو لازم لإعطاء الشيء محل الالتزام كالقيام بكل ما هو لازم لنقل الملكية، فالتزام المشتري بدفع الثمن هو التزام بنقل الملكية منقول و هو مبلغ من النقود و قبل تنفيذ هذا الالتزام يكون البائع حق شخصي قبل الملتزم به و هو المشتري و بمجرد ما ينفذ الملتزم التزامه ينقضي الحق الشخصي الذي كان للبائع و يصبح مالكا للمبلغ المدفوع.
فإذا كان العمل الذي يطلب من المدين أداءه يرمي إلى نقل أو إنشاء حث عيني لمصلحة الدائن سمي هذا التزام بإعطاء شيء.(1)
و يتعدد الحق الشخصي بتعدد مصادره فلدينا :
- العقد أو الإرادة المنفردة: كالوعد بجائزة.
- الفعل الضار: فيلتزم محدث الضرر بتعويض للذي أصابه الضرر.
- الإثراء: كالتزام المتري برد ما أثري به بغير سبب.
- الفضالة: فيرد رب العمل إلى الفضولي ما أنفقه.
---------
1- سنتعرض لانتقاد هذا الالتزام في المبحث الخاص بمحل الحق الشخصي.

المطلب الثاني : محاولة التقريب بين الحق العيني و الحق الشخصي:

إن محاولة التقريب بين الحق الشخصي و الحق العيني يشتمل على نظريتين أو مذهبين هما :
الفرع الأول: المذهب الشخصي
من أنصاره Planiol – Saviqny .
يذهب أنصار هذا المذهب إلى إبراز الرابطة بين الأشخاص في الحق العيني كما في الحق الشخصي على أساس أنه في الحق العيني توجد كذلك علاقة بين صاحب الحق و كافة الناس الذين يكونون ملزمين باحترام هذا الحق.(1)
فإذا كان الحق الشخصي يتمثل في صاحب الحق و محل الحق و الناس كافة، إذ يلتزمون بالتزام سلبي و هو احترام هذا الحق و الامتناع عن التعرض لصاحبه و يرد على هذا الرأي بأن القول بانفراد الحق العيني بالعنصر السلبي المفروض على كافة الناس بعدم التعرض لصاحب الحق، قول غير صحيح لأن الحق الشخصي كذلك يستلزم احترام كافة الناس مع ملاحظة أن الحق الشخصي يزيد عن الحق العيني بشيء جوهري يميزه عنه و هو الجانب الخاص بالمدين إذ يستوفي الدائن حقه بواسطته، فيبقى التزام المدين في الحق الشخصي التزاما محددا فلا يجوز للدائن الحصول على حقه إلا بتدخل المدين.
و يمكن الرد على مناصري هذا المذهب من بينهم Planiol بأن الحق العيني نافذ بالنسبة للجميع حقيقة و لكن نفاذه يتم بصفة سلبية فقط أي بالتزام الناس كافة بعدم التعرض لهذا الحق بينما الحق الشخصي يلزم المدين إما بعمل إيجابي أو سلبي.
و كذلك فالحق العيني سلطة على الشيء يمكن صاحبه ( أي صاحب الحق ) من تتبع الشيء و استفاء حقه بالأفضلية.(2)
بينما في الحق الشخصي يتعلق حق الدائن بالضمان العام أي أن حقه يرد على كل أموال المدين، و يتقاسمها مع باقي الدائنين قسمة غرماء، فليس له حق أفضلية.
الفرع الثاني : المذهب المادي.
من أنصاره Salleiles-Ginossar-lambert.
و وفقا لهذا المذهب يعتبر المحل هو الأصل في الحق الشخصي و محل الحق الشخصي هو القيمة المالية و هي التي تعني الدائن و يهمه الحصول عليها أما المدين فلا يهمه إلا أنه هو الواسطة التي يستطيع عن طريقها دفع هذه القيمة المالية فالحق الشخصي كالحق العيني كلاهما عنصر من عناصر الذمة المالية و كما يستطيع صاحب الحق العيني أن يتصرف فيه بأن يبيعه أو يهبه أو يرهنه....، و أن يجري عليه كل التصرفات فكذلك الحق الشخصي هو أيضا عنصر مالي، فبتجريد القيمة الحالية للحق الشخصي عن شخص الدائن و عن شخص المدين يقترب الحق الشخصي عن الحق العيني فالحق الشخصي هو علاقة غير مباشرة بالشيء بينما الحق العيني هو علاقة مباشرة.
---------
و هذا الرأي منتقد لأن الفرق بينهما يظل قائما و صاحب الحق الشخصي تظل له مجرد سلطة غير مباشرة على الشيء موضوع الحق، فلا يمكنه استعمال هذه السلطة بواسطة المدين و يبقى للمدين في الحق الشخصي دور يؤديه للدائن، إذ تكون شخصية المدين محل اعتبار في بعض العقود، و نلاحظ أن المشرع تأثر بالمذهب المادي في حوالة الحق و الدين.
و ليس ضروريا وجود الدائن وقت نشوء الالتزام مثل الوعد بجائزة لكن يجب أن يوجد أطراف الالتزام وقت تنفيذه فلا يجوز في نفس الوقت إغفال دور المدين فلا يزال الالتزام رابطة بين شخصين، فلا بد من وجود طرفيه وقت التنفيذ.

المطلب الثالث : المقارنة بين الحق الشخصي و الحق العيني.

1- إن محل الحق الشخصي هو القيام بعمل معين أو الامتناع عنه أما الحق العيني فيرد على شيء مادي منقولا كان أو عقارا.
2- الحق الشخصي هو استئثار غير مباشر، فلا يمكن صاحب الحق الحصول على حقه إلا بتدخل أو بواسطة المدين أما الحق العيني فهو استئثار مباشر بشيء يمكن صاحب الحق من الحصول على المزايا التي يمنحها له حقه دون وساطة.
3- الحقوق الشخصية ليست محصورة، و لأفراد أن ينشئوا ما شاؤوا منها بشرط عدم مخالفة النظام العام و الآداب العامة، أما الحقوق العينية فهي واردة في القانون على سبيل الحصر.(1)
4- الحق الشخصي حق مؤقت بينما الحق العيني كحق ملكية أبدي.
5- الحق الشخصي لا يكسب بالتقادم بينما الحق العيني يمكن اكتسابه بالتقادم.
6- الحق الشخصي يسقط بالتقادم بينما الحق العيني لا يسقط بالتقادم.
7- الحق الشخصي يخول صاحبه الحق في الضمان العام لمدينه بينما الحق العيني يعطي لصاحب الحق العيني التبعي حق الأفضلية و التتبع و هذا يضمن له حقه أكثر.
8- هناك من يرى أن الحق العيني يتميز عن الحق الشخصي بأنه نافذ في مواجهة الجميع، و الحقيقة هو أن الحق سواء كان عينيا أو شخصيا نافذ في مواجهة الغير و يجب على الجميع احترامه.
و نلاحظ في الأخير أن هناك حقا شخصيا يقترب من الحق العيني و هو حق الإيجار فللمستأجر إلى جانب حثه الشخصي حق عيني، إذ يمكنه من استغلال و استعمال العين المؤجرة مباشرة بمجرد أن يمكنه المؤجر من ذلك، لهذا لجأ المشرع الفرنسي إلى إنشاء حق عيني جديد و هو" Emphytéose" و هو خاص بالإيجارات الطويلة، و يمكن التنازل عن هذا الحق كما يمكن حجزه، و كذلك يجوز رهنه و لصاحبه أن يرفع دعاوى الحيازة لحمايته.
و لا يعرف المشرع الجزائري مثل هذا الحق و يبقى الإيجار مهما طالت مدته حقا شخصيا و لكنه يمتاز ببعض خصائص الحق العيني و منها حماية المستأجر بدعاوى الحيازة وفقا للمادة 487 مدني.
---------
1- لم ينص المشرع الجزائري على حق الحكر إلا أنه تطبق بشأنه أحكام الشريعة الإسلامية .
كما أن المشرع أخضع الإيجارات التي تزيد مدتها عن اثني عشر سنة للشهر، مع أن الشهر الخاص بالحقوق العينية، و لقد نصت المادة 17 من الأمر 75-74 المؤرخ في 12/11/1975 المتضمن إعداد مسح الأراضي العام و تأسيس السجل العقاري على ما يلي :
(( إن الإيجارات لمدة 12 سنة لا يكون لها أي أثر بين الأطراف و لا يحتج بها تجاه الغير في حالة عدم شهرها....)).
و للمستأجر حق تتبع العين المؤجرة، إذ الإيجار الثابت التاريخ يسري في مواجهة الخلف الخاص و هذا ما نصت عليه المادة 511 مدني بقولها (( إذا انتقلت ملكية العين المؤجرة اختيارا أو جبرا إلى شخص آخر فيكون الإيجار نافذا في حق هذا الشخص)).

خاتمة

و كخاتمة لموضوع بحثنا المتواضع الذي نأمل أن نكون قد وفقنا إلى التطرق إلى ذكر أهم عناصره حيث نجد نوعين من الحقوق الأولى تتمثل في الحقوق العينية التي انطوت تحتها الحقوق العينية الأصلية و تتمثل في حق الملكية و المتجزئة في الملكية و الانتفاع و الارتفاق و الاستعمال و الحقوق العينية التبعية مثل الرهن الرسمي و الحيازي و التخصيص الامتياز، هذا من جهة و من جهة أخرى نجد حقوق شخصية، هذه الأخيرة تختلف عن الحقوق العينية و هذا يظهر جليا من خلال المقارنة بينهما و كذلك نجد أن المشرع قد وضع قوانين و مواد تضمن هذه الحقوق.

المراجع
1- د. محمدي فريدة -- زواوي – المدخل للعلوم القانونية


 

علم الإجرام



علم الإجرام: المدارس والنظريات

ليس هناك من شك في أن ظاهرة الجريمة، تعد من أخطر الظواهر الاجتماعية التي تهدد الكيان البشري في أمنه، واستقراره، بل وحياته وانطلاقا من الخطورة التي تتسم بها هذه الظاهرة تجد علماء القانون، وعلماء النفس يولون هذه الظاهرة اهتماما منقطع النظير من حيث الدراسة حتى تمخضت هذه الدراسات عن نشوء علم مستقل باسم علم الإجرام ( Criminologie) ، وإن كان هذا العلم بالمعنى الفني للكلمة علما حديث النشأة شأنه في ذلك شأن العلوم المتصلة بدراسة الإنسان، التي لم تتطور إلا بتطور المنهج العلمي التجريبي في دراسة الظواهر الاجتماعية والبحث في حقائق الحياة.
لقد أصبحت لهذا العلم قواعده الخاصة به، والتي تتصف بالعمومية التي يمكن إعادة الجزئيات إليها- على الرغم من بعض الجدل المحتدم حول اعتباره علما-، كما أصبح من العلوم التي تدرس بشكل منتظم في جامعات العالم وقد عرف علم الإجرام بأنه:
ذلك الفرع من العلوم الجنائية الذي يبحث في الجريمة باعتبارها ظاهرة في حياة الفرد، وفي حياة المجتمع، لتحديد وتفسير العوامل التي أدت إلى ارتكابها.
لقد أدلى فقهاء القانون، وعلماء النفس بدلائهم في غمار هذا العلم وأسسوا النظريات في عوامل السلوك الإجرامي لدى الإنسان كما سيأتي ذكره.
تشكل علم الإجرام خلال سيرورته التاريخية من مدارس ونظريات أثبتت أركانه النظرية لتمنحه صفة الخصوصية والاستقلالية، فكان ظهوره متأثرا بتطور العلوم الإنسانية واستقلال البحث في المجال الإجرامي عن الخطابات الأخلاقية والفلسفية والدينية، متبنيا المناهج الوضعية مع ازدهار العلوم الصرفة أواخر القرن التاسع عشر، هكذا برزت النظرية البيولوجية معلنة التبني المطلق للمنهج الابمريقي الفيزيزلوجي المحض في تناول ظاهرة الإجرام، فجاءت بعدها نظريات جديدة، انتظمت في شكل مدارس تربطها أقطار منشئيها أو تقاطعها من حيث التشابه في الطروحات، وعموما توزعت بين تصورات ثلاث بيولوجي أو نفساني أو اجتماعي.


I - المدرسة البيولوجية
ارتبط الاتجاه البيولوجي في علم الإجرام بمرحلة التأسيس، إذ ظهر أول الأمر مفسرا الجريمة بتشوه عضوي أو عقلي لذاك المجرم. فالمجرم في نظر البيولوجي إنسان شاذ التكوين، له سمات خاصة تؤهله لارتكاب الفعل الإجرامي فسرا دون أن تكون له القدرة على اختيار آخر، وقد عرف هذا الاتجاه انتشارا واسعا خصوصا أنه يعتمد دراسة شخصية المجرم من الناحية العضوية الشيء الذي أثار الكثير من النقاش والاختلاف كان مصدر ميلاد نظريات أخرى.
3-  نظرية لومبروزو Lombrozo
يعتبر "لومبروزو" من مؤسسي علم الإجرام، حيث تناول شخصية المجرم بالبحث والدراسة من الناحية الفيزيولوجية وساعده في ذلك كونه طبيبا في الجيش الإيطالي وتتلخص نظريته في كون المجرم يحمل في بنيته العضوية خصائص معينة تختلف عن الإنسان السوي ومرتبطة أساسا بأعراض سريرية ومظاهر خلقية تتحدد في كل الرأس وملامح الوجه وحجم الأعضاء وشكلها، ثم أضاف إلى هذا التحديد العضوي عناصر نفسية استنتجتها من جملة سلوكات المجرم تجاه ذاته (الوشم) واتجاه الآخرين (العنف). وميزتها الأساسية ضعف الإحساس   بالألم والقسوة وعدم الشعور بالخجل وعنف المزاج وحب الشر وبفضل عمله التشريحي استطاع لومبروزو اكتشاف وجود غور في آخر الجمجمة غير عادي ومشابه لجماجم الحيوانات، فاستنتج من ذلك أن المجرم نوع شاذ من الناس مختلف التركيب التكوين يقترب من الإنسان البدائي، لذلك فهو بدائي بطبعه لا يستطيع التكيف والعيش والانصهار في المجتمع الذي يعيش فيه .
وأكد "لومبروزو" أن المجرم هو شخص مغلوب على أمره لأنمه مجرم بالفطرة، مع أنه ورغم عدم توفر شروط الرجعة (أي الخصائص البيولوجية المؤهلة للإجرام) في بعض الأشخاص بإمكانهم أن يكونوا مجرمين، لكن كل من تتوفر فيه الخصائص غالبا ما يكون مجرما.
لقد ارتبطت الانتقادات الموجهة إلى نظرية "لومبروزو" من الناحية المنهجية بحجم العينة المدروسة التي لم تن كافية حتى يمكن تعميم نتائج الدراسة، كما أن التأطير النوعي لهذه العينة لم يأخذ بعين الاعتبار إمكانية توفر تلك الخصائص الشكلية والعضوية في أشخاص أسوياء، وهذا ما تحققت منه دراسات لاحقة أكدت أن توفر الرجعة التي استعرضها "لومبرزو" ليست بالضرورة محددا للشخصية الإجرامية نظرا لوجود أشخاص يحملونها وليسوا بمجرمين كما أن هناك مجرمين رغم أنه لا تتوفر فيهم. كذلك مسألة تشبيهه المجرم بالإنسان البدائي لا يستند على أسس متينة، لأن الانتربولوجيا حينها كانت في بدايتها ولم تتوصل بعد إلى جمع المعلومات الكافية حول الإنسان البدائي ولم يكن في حوزتها سوى القليل من الدلائل العلمية والتي لا يمكن الاعتماد عليها في المقارنة. هذا إضافة إلى قصور في الإحصاء وتأخر الاكتشافات بخصوص قوانين الوراثة .
ومع ذلك ظلت نظرية "لومبروزو" علامة بارزة في مسار تأسيس علم الإجرام ومؤشرا   على تقدم الدراسات الإجرامية، ويكفي أن نلاحظ أنه أول من استخدم أسلوب المقارنة الاحصائية بين المجرمين وغير المجرمين مستعملا المنهج العلمي لدراسة الظاهرة الإجرامية وتبقى أبحاثه أيضا بمثابة الأساس للمدرسة البيولوجية.
2- نظرية جورنج Charles Goring
قام "جورنج" بدراسات إحصائية مقارنة أجراها على ما يقرب من ثلاثة آلاف من المجرمين العائدين وعلى مجموعة كبيرة من الإنجليز غير المجرمين تضم بصفة خاصة طلبة المعاهد والمرضى بالمستشفيات والضباط والعاملين بوحدات الجيش، وقام بتقسيم المجرمين إلى مجموعات بالنظر إلى نوع الجرائم المرتكبة وفحص أعضائهم وقاسها مقارنا في ذلك بين كل المجموعات، وبين ما يتوفر لدى المجرمين من خصائص بدنية وما يتوفر لدى غيرهم من الأسوياء. وكان هدف "جورجنج" من هذه الدراسة أن يتبين مدى انتشار علامات الرجعة، التي استعرضها "لمبروزو" بين المجرمين في مقارنتهم بعامة الناس. وقد انتهى من أبحاثه التي استغرقت قرابة اثني عشر عاما إلى أنه لا توجد فوارق ملموسة بين الناس. وقد انتهى من أبحاثه التي استغرقت قرابة اثني عشر عاما إلى أنه لا توجد فوارق   ملموسة بين مجموعات المجرمين المختلفة أو بين المجرمين وغيرهم من الناس من حيث توافر علامات الرجعة لديهم
وعلى الرغم من ذلك لاحظ "جورنج" أن المجرمين يتميزون بصفة عامة بنقص في الوزن والطول، فهم أقصر من غيرهم وفي الوزن هم أيضا أقل من غيرهم ويعتقد "جورجنج" أن هذا النقص البدني حقيقة لها أهميتها إذ هو دليل على انحطاط عام موروث في طبيعة المجرم يبدو في قياس مستواه العقلي وغير ذلك من العوامل التي يكون للوراثة دخل   فيها وفي هذا الانحطاط يكمن الميل إلى الجريمة.
وقد تبين من خلال هذه الدراسات الإحصائية التي قام بها «جورنج" أن تمت تشابه بين الآباء والأبناء في السلوك الإجرامي وذلك يعود في نظره إلى عوامل وراثية، فحرص على تأكيد الوراثة في انتقال الميول الإجرامي من جيل لآخر مستبعدا أي تأثير للوسط أو التقليد أو الظروف الاجتماعية في إنتاج الفعل الإجرامي .
تأييدا لنظرية "لومبروزو" اعتبر "هوتون" أن المجرمين أدنى عضويا من غيرهم والجريمة نتاج لتأثير البيئة على الكائنات الإنسانية المنحطة. ويتبع ذلك أن التخلص من الجريمة لا يمكن أن يتم إلا ببتر غير اللائقين جسميا وعقليا وخلقيا أو بعزلهم عزلا تاما، وقد استنتج "هوتون" من خلال دراسته الموسعة التي شملت عينة   مكونة من أربعة عشر ألفا تقارب ربع هؤلاء، أن التركيب العضوي للمجرم يختلف باختلاف نوعية الجرائم المرتكبة، حيث يرى أن القاتل مثلا يكون اقرب إلى الطول واللص أقرب إلى القصر والنحافة. ومرتكب الجرائم الجنسية أقرب ما يكون إلى الشكل   الغليظ القصير، هكذا تبين له أن توفر نوع معين من الشذوذ البدني لدى المجرم يصاحبه ميل إلى ارتكاب نوع معين من الجرائم يختلف عن تلك مجرم آخر يتوافر لديه نوع من هذا الشذوذ .
تعرضت نظرية "هوتون" إلى النقد وأهم ما انتقد فيها هو ربطه الجريمة بخصائص معينة عند كل مجرم، والمستوى المنهجي يحتمل أن كثيرا كمن المجرمين الذين أجرى عليهم أبحاثه قد سبق أن ارتكبوا جرائم تختلف تماما في نوعها عن الجرائم التي أودعوا السجن من أجلها والتي اتخذها "هوتن" وحدها في اعتباره وقت إجراء دراساته الإحصائية، وكونه اتخذ عينته من السجناء وهي عينة لا تمثل جميع المجرمين .
4- نظرية "دي توليو"
رغم إقراره بدور العوامل الخارجية في ارتكاب الفعل الإجرامي، فقد اعتبر أن عامل احسم في ذلك يعود لأسباب داخلية، إذ أن التجربة تدل على أ، هناك أفرادا لديهم استعداد لارتكاب الجريمة لا يتوفر لدى غيرهم بدليل أن الظروف الخارجية التي تثير فيهم النزعة إلى الإجرام لا تحدث نفس الأثر بالنسبة لأشخاص يعيشون نفس الظروف. ولا تكون تلك الظروف سوى عامل كشف يثير نزوعاتهم الإجرامية، تلك النزوعات المرتبطة بتكوينهم الجسمي والنفسي تميزهم عن الأشخاص العاديين .
فالمجرم في نظر "دي توليو" يعرف من مظهره الخارجي ووظائف جسمه الداخلية وحالته النفسية. فمن الناحية المظهرية لوحظ أن المجرمين بحكم تكوينهم يتوفرون على عيوب جسمية تنتشر بينهم بنسبة أكبر من انتشارها بين غيرهم من المجرمين.
ومن الناحية الداخلية لوحظ وجود عيوب في إفرازات الغدد لاسيما الغدة الدرقية وذلك في الجهاز العصبي والجهاز الدموي والبولي. وهذه العيوب إن كانت تتوافر لدى غير المجرمين إلا أن انتشارها لدى المجرمين يكون بنسبة أكبر. وأخيرا يتميز المجرمون من الناحية النفسية بشذوذ في الجانب الغريزي كالشذوذ في غريزة القتال الذي يؤدي إلى ارتكاب جرائم القتل والدم، والشذوذ في الغريزة الجنسية الذي يصطحب عادة بفساد خلقي وميل إلى العنف.
غير أن هذه النظرية بدورها لا تخلو من المآخذ، إذ هي كمثيلاتها تفتقر إلى الإنسانية الموثوق بها والتي تؤكد صحة ما انتهت إليه من نتائج .
5- نظرية فرويد S.Freud
قاد سيمون فرويد توجها عاما من داخل التيار البيولوجي وفي إطار المدرسة البيولوجية الحديثة ونحا به نحو دور التكوين النفسي بدل التكوين العضوي، كعامل من عوامل الإجرام في إطار نظرية التحليل النفسي.
تنقسم النفس البشرية في التحليل الفرويدي إلى ثلاثة أقسام هي الذات الأنا والأنا الأعلى وكل قسم من هذه الأقسام يختص بوظيفة معينة
* فالذات: هي خزان الميولات الفطرية الغريزية والموروثة التي تستقر لا شعور الفرد وتتطلب من الذات إظهارها دون اعتبار للحدود الاجتماعية والأخلاقية السائدة وبالتالي فإنها تشكل الجزء الأسود في النفس البشرية.
* الأنا: وتمثل الجانب العامل في النفس البشرية والتي تتدخل لتعديل ميولات الذات الغريزية والفطرية لتجعلها تتلاءم مع ما يرتضيه المجتمع وترضى عنه الأنا الأعلى. أما إذا فشل الأنا في هذه المهمة فإنه يسعى إلى تصعيد الجانب الغريزي أو يكبته في اللاشعور.
* الأنا الأعلى: وتمثل الجانب المثالي في النفس البشرية وهي المنطقة التي تتشبع بالقيم الاجتماعية والدينية والمثالية، حيث الضمير الذي يوفر الكوابح الضرورية واللازمة للأنا.
انطلاقا من هذا التحليل يعتقد فرويد أن الجريمة تعود إلى عجز الأنا على أبناء التكيف اللازم مع ميول ونزعات الذات، مع القيم الاجتماعية أو عن تصعيد النشاط الغريزي أو عن كبته للاشعور، أو لغياب دور الأنا الأعلى في الرقابة والكبح، لذلك تجد الذات تنطلق لتحقق حاجاتها الغريزية بأي وسيلة شأنه أن يفرز فيما بعد عقدة الذنب وتأنيب الضمير فيبحث عن العقاب ليتخلص من هذه العقدة فيسعى إلى ارتكاب الجريمة لتوقيع العقاب عليه.
غير أن نظرية فرويد رغم الإضافة التي قدمتها لتحليل دوافع الجريمة وأسبابها فإنها تعرضت لانتقادات لاذعة بسبب ارتكازها على التحليل النفسي وبالتالي تستعصي على التحليل العلمي، بالإضافة إلى أن   الاضطرابات النفسية ثبتت أنها لا تقود بالضرورة إلى السلوك الإجرامي .
II - المدرسة الاجتماعية الأوربية
جاء التصور الاجتماعي للظاهرة الإجرامية كرد فعل ضد التصورات البيولوجية التي استبعدت كل تأثير للأوساط الاجتماعية فيها وفي المرحلة التاريخية ذاتها حمل مجموعة المفكرين الأوربيين على عاتقهم مسؤولية وضع الفعل الإجرامي في سياقه وليس الاكتفاء بحصره في الحالة الفيزيولوجية للمجرم وأهم أقطاب المدرسة الاجتماعية الأوربية نجد أمثال: لاكساني وتارد ودوركهايم.
4-  نظرية الوسط الاجتماعي */ لاكساني Lacassagne
ركز صاحب نظرية الوسط الاجتماعي على التأثير البالغ للوسط الاجتماعي في مجال خلق الجريمة وتتلخص في كون المجتمع هو الذي يصنع الجريمة وأن "المجتمعات ليس بها من المجرمين أكثر مما تستحق فالوسط الاجتماعي هو الوعاء المنشط والملائم للإجرام، والمجرم لا يظهر إلا في الوسط الذي يسمح له بالظهور كأنه جرثومة لا أهمية لها إلا إذا وجدت الحقل المناسب لنموها.
ويرجع لهذه النظرية فضل توجيه الأنظار إلى الجوانب الاجتماعية للإجرام، لكن يؤخذ عليها أنها أهملت الجوانب الفردية للإجرام، وهي لا تفسر الكيفية التي يؤثر بها الوسط على ثلة من أفراد المجتمع هم المجرمين دون غيرهم ممن يعيشون في نفس الوسط وقد حاول العالم "غابريال تارد" إيجاد تفسير لكيفية تأثير الوسط على الفرد بما يدفعه إلى ارتكاب الجريمة  .
2- نظرية التأثير النفسي الاجتماعي / غابرييل تارد G.Tarade
تجنب "غابرييل تارد" التكوين العضوي للمجرم معتبرا أهمية المحيط الاجتماعي في ظهور السلوك الإجرامي مركزا على عوامل نفسية واجتماعية هي "التقليد" و"التنشئة الاجتماعية" و"المعتقدات الثقافية" فعوامل انحراف الفرد وخروجه عن أنماط السلوك الاجتماعي إنما ترجع أساسا إلى عوامل يغلب عليها الطابع الاجتماعي، بل الإمكانيات والاختيارات الممنوحة والمنحة للأفراد وحيتهم في التفضيل بين المنهج السوي والمنهج غير السوي تبقى هي المؤشر على استعداد بعض الأفراد وميولهم لاختيار طريق الجريمة.
هكذا يكون احتراف الجريمة في نظر "تارد" خلاصة تمرين وتدريب وظروف تنشئة مثلها مثل غيرها من الحرف والمهن مع فارق بسيط هو أن المجرم ينشأ ويتربى في بيئة إجرامية ساعدت على انخراطه في الجريمة .
إلا أنه يلاحظ على "تارد"   بقي متشبتا بقانونه الأخلاقي الذي ربطه بالجريمة واعتبر أن مستوى الإجرام هو مؤشر حقيقي للأخلاق في المجتمع مما يعكس تلازم وتماسك دائرة الأخلاق ودائرة القانون، في حين أن هذا التلاؤم لا يصدق إللا على جانب ضئيل من الجرائم التي تمس الشعور العام بالعطف والاستقامة، لتبقى الجرائم الاعتبارية والاصطناعية التي تكون من وضع المشرع في ظرف ومكان معينين بعيدة عن هذا التحديد.
3- نظرية البنية الاجتماعية والثقافية / إيميل دوركايم E.Durkheim
يعتبر مؤسس علم الاجتماع "إيميل دوركهايم" صاحب هذه النظرية، أن الجريمة ظاهرة طبيعية يجب قبولها على أنها تعبير له وظيفته، فهي موجودة في جميع   المجتمعات في كل الأزمنة، لكنها تصير ظاهرة مرضية غير عادية فقط حينما ترتفع أو تنخفض عن المتوسط أو المعدل، ولا يمكن اعتبارها مرضية حينما لا تؤثر سليا في المهام الوظيفية للمجتمع حيث أ، الجريمة ليست عرضية وإنما هي من صفات المجتمع وتركيبته وثقافته، فالفرد يعتبر جزءا من المجتمع لذلك فإن جنوحه وخروجه عن قواعد السلوك الجماعية لا يمثل ظاهرة مرضية شخصية وإنما يعتبر ذلك ناشئا عن المجتمع مباشرة وعما يتصف به من خصائص لذلك فإذا كانت الجريمة لازمة ولا تخرج عن المعدل المتوسط للمجتمع فإنها عادية وطبيعية بل وتعتبر علامة صحة المجتمع وسلامة نظمه ومؤسساته .
كما أن "دوركهايم" استعمل مفهوم الأنومية أو اللامعيارية واعتبرها سببا للانحراف الاجتماعي، وتعني حالة الأنومية حالة اللاقانون أو اللانظام الذي يجد الفرد نفسه فيها مع افتقاره إلى قاعدة أو معيار لسلوكه السوي مقارنة مع السلوك غير السوي وفي هذه الحالة غالبا ما تنتج عن الصراع أو التناقض الذي يعيشه الفرد في علاقته الاجتماعية. وخاصة الواجبات والمتطلبات اليومية للحياة، بحيث تكون هذه الحالة تعبيرا عن أزمة وحاجة العلاقات الاجتماعية للقيم التي تحفظ لها تناسقها ووظيفتها مما ينعكس على الفرد ويدفعه إلى العزلة ومعاداة مجتمعه أمام غياب معايير وقواعد تقوم بدور الضبط الاجتماعي ويؤكد "دوربكهايم" أن ضعف المجتمع وتهاونه في احتضان الفرد إليه بحيث أن هذا الأخير يصبح في حل من كل قيد اجتماعي أو خضوع أو احترام لطقوسه ويعتقد أنه أصبح جزءا فوق العادة ولا شيء يلزمه نحو مجتمعه (ضعف الإكراه الاجتماعي) فيستبيح ارتكاب الجرائم التي تصبح في نظره وسائل مشروعة لتحقيق ما عجز المجتمع عن توفيره له وهي الحاجيات الطبيعية التي بدونها لا يمكن للحياة أن تستقيم .
III - المدرسة الاجتماعية الأمريكية
اعتمد الأمريكيون في تفسير الجريمة التصور الاجتماعي وذلك بردها إلى عوامل اجتماعية، وتأثرا بالإرث الأوربي خصوصا إسهامات "دوركهايم" الوضعية الموضوعية، تأسست المدرسة الأمريكية بخصوصيات جديدة معتبرة أن السلوك الإجرامي نابع عن نفس العوامل التي ينجم عنها أي سلوك اجتماعي آخر، فكان الرابط بين هذه السلوكات والتنظيم الاجتماعي هي السمة الغالبة على نشأة هذه المدرسة، ومن ثمة فإن   النظريات الاجتماعية تنطلق من دراسة الانحراف كظاهرة اجتماعية تخضع في حركتها وانتشارها لقوانين حركة المجتمع، وانطلاقا من هذه الخصوصية سنحاول أن نستعرض لثلاثة نظريات اجتماعية تختلف في منطلقاتها لتفسير السلوك الإجرامي وهي مجموعة تمثل المدرسة الأمريكية.
اتخذت هذه النظرية من الدراسات الاجتماعية أساسا لمنهجيتها وبحثها عن أسباب الجريمة واعتمدت أسلوب التحليل الإحصائي وربطت الجريمة بالمتغيرات المختلفة التي تحدد السلوك الإجرامي مع حصر هذه المتغيرات مثلا البطالة، السن، الجنس، الحالة الثقافية، الحالة السكن، الحالة الصحية...، وبعد تحديد المتغيرات المختلفة ومقارنتها بالمعطيات الأولية التي يتوفر عليها الباحث، يعمد هذا الأخير إلى استخلاص العوامل التي تلازم ظهور السلوك المنحرف بواسطة معامل الارتباط كي يتمكن من تصنيف المتغيرات حسب درجة ارتباطها بالجريمة وبالتالي الخروج بأكثر العوامل ذات علاقة سببية بالظاهرة .
وجهت انتقادات لهذه النظرية وكان من بينها تلك الانتقادات التي خصت المستوى   المنهجي ذلك أن الإحصاء يهدف إلى تلخيص الوقائع والجرائم في سلسلة من الأرقام التي تسمح باستخراج قوانين تفسيرية للظاهرة الإجرامية، مما يستبعد الفروق الفردية الدقيقة ويسعى إلى تأطير استقرائي يتجاوز النوعية من حالة إلى أخرى، مع أنه يبقى الفعل الإجرامي له جوانب من الفرادة والخصوصية تستعصي على التعميم وإخراجه من حالته الفردية ولحظته الزمنية تجعله قابلا للتمطيط.
2- نظرية الاختلاط التفاضلي/ "سذرلاند" Sutherlan
يرفض اعتبار السلوك الإجرامي سلوكا موروثا، فالإجرام لا يورث، وإنما يكتسب بالتعلم الذي يحدث من نتيجة انخراط الفرد في جماعة، ويحدد نوع وقواعد السلوك والقيم السائدة فيها ما إذا كان الفرد سيتعلم الإجرام أم لا، فإن كان أفراد هذه الجماعة ممن يحترمون القانون ويلتزمون بأوامره ونواهيه، تخلق الفرد بأخلاقهم وتعلم منهم السلوك المتفق مع القانون، أما إن كانوا ممن يؤيدون انتهاك القوانين ويميلون لمخالفتها، فالغالب أن ينهج الفرد نهجهم ويتعلم منهم خصالهم مما يؤهله لاقتراف الفعل الإجرامي، فيكون انحرافه أمرا مؤكدا إذا اقتصر في علاقاته على أفراد جماعته، وعزل الجماعات الأخرى التي يغلب على أفرادها احترام القانون.
حسب "سذرلاند" لا يمكن إرجاع السلوك الإجرامي في جميع الأحوال إلى الفقر أو إلى مجرد عوامل سائدة كالظروف والعوامل النفسية والاجتماعية التي تتصل بالفقر والفقراء، فهناك أشخاص ينتمون إلى طبقات غنية ومع ذلك يرتكبون بعض الجرائم كجزء من نشاطاتهم المهنية وهنا جاء تركيزه على الجرائم التي يرتكبها ذوو الياقات البيضاء أو الجرائم الخاصة، لذلك فهو يرى أن السلوك الإجرامي يتعلمه الأغنياء والفقراء على السواء بطريقة واحدة وبعمليات متشابهة، بذلك حاول "سذرلاند" شرح سلوك المنحرف المتعلم أو المكتسب الذي يظهر نتيجة صراع بين معايير الثقافات المختلفة التي يتكون منها المجتمع الأمريكي، هذا السلوك يظهر حينما تطغى المعايير الجانحة في جماعة ما على المعايير المتكيفة التي تحكم المجتمع الكلي .
ومن بين المؤاخذات التي وجهت ل "سذرلاند" كون الفرد في كثير من الأحيان لا يكون مجبرا على الانتماء إلى جماعات منحرفة، إن لم يكن هو شخص منحرف، كما أنه لم يأخذ بعني الاعتبار الاختلافات داخل المجموعة الواحدة ودور الفرد في هذا الاختلاف ففي الوقت الذي يتبنى البعض موقفا إجراميا ينجح آخرون في احترام القانون ويكون العنصر من المجموعة قادرا على التأثير والاختيار بين أحد الجانحين وتركيز "سذرلاند" على التعلم واستبعاد العامل الشخصي الداخلي اصطدم بطروحات تقول عكس ذلك، لأن الفرد قد لا يكون في حاجة لمن يعلمه السلوك المنحرف بقدر ما يكون في حاجة إلى تعلم السلوك السوي فالطفل مثلا بطبيعته ميال إلى الكذب والخداع وإذا ترك بغير تربية ولا تهذيب فإنه يكبر نازعا إلى الإجرام.
3- نظرية التراخي الاجتماعي "ميرتون"
اعتمد "ميرتون" في نظريته على تجاوز العوامل المنعزلة واهتم بالبنية الاجتماعية بما فيها من تناقضات تدفع بالفرد إلى الخروج عن التنظيم الاجتماعي والسقوط في الإجرام بفعل غياب المعايير الاجتماعية، وحاول "ميرتون" أن يعتمد نظرة متكاملة للمجتمع الأمريكي. فانطلق من تحليل البنية الاجتماعية محاولا معرفة الأسباب التي تدفع إلى السلوك الإجرامي، وتوصل إلى حصر هذه الأنماط السلوكية اعتمادا على مفهوم اللامعيارية أو حالة عدم النظام التي تسيطر على المجتمع وتجعله بدون وسيلة ثقافية يعتمدها الناس لتحقيق رغباتهم فيضطرون إلى الإجرام، فمرجع أسباب الجريمة والجنوح هو ردود فعل الفرد وتكيفه مع التناقضات التي تفرزها الثقافة السائدة لمجتمعه، وبما أن أغلب الرغبات والغرائز ليست بالضرورة طبيعية وإنما هي مجموعة من الأهداف والإغراءات التي ينتجها المجتمع وتكرسها الثقافة السائدة فيه، فإن عدم توفير الإمكانيات وإتاحة الفرص لجميع فئات المجتمع لتحقيقها فإنه من الضروري أن يظهر أفراد يعمدون إلى وسائل غير مشروعة في تحقيق إشباع ما تتطلبه الثقافة بعد أن تعذر تحقيقها بوسائل مشروعة، هكذا ميز "ميرتون" بين عنصرين هامين هما :
- الأهداف والمعايير: الهداف هي تلك الاهتمامات التي تكون مشروعة وتشكل آمال وتطلعات يسعى كل فرد لتحقيقها وتتدرج بالترتيب حسب أهميتها في سلم القيم الاجتماعية.
- أما المعايير: هي مجموع القواعد التي تحكم السلوك وتضبط وسائل الوصول إلى الأهداف فسلوك الإنسان مرتبط بهذين العنصرين ومدى ترابط العلاقة بينهما وكلما كانت الصلة متوازنة كان السلوك متوازنا، وإذا تم التركيز على الأهداف دون اعتبار للمعايير تصبح كل الوسائل مشروعة أو غير مشروعة.
- مقبولة في نظر الشخص لتحقيقها وبالتالي ينتج السلوك الإجرامي عن هذا الاختلال
ارتكزت مقاربة شو للظاهرة الإجرامية على المعطيات والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لمنطقة محددة بحيث تكون هذه الأوضاع هي المسؤولة عن الجريمة بها، وهو ما يعني أن الجانب العضوي والنفسي للفرد ليست هي العامل الحاسم بل الظروف الاقتصادية السائدة والمحيط الاجتماعي والبيئي، وقد ركز شو في نظريته على المجالات العمرانية والسكانية غير الملائمة والتي تنتشر فيها كل أشكال الجرائم (أحياء الضواحي- هوامش المدن)، وهو ما يجعل شو يلتقي موضوعية مع نظرية لاكساني في دور الوسط الاجتماعي في الجنوح.
وقد ساهمت أبحاث "شو" في تركيز الاهتمام على المراكز الحضرية والظاهرة الإجرامية والتي خلصت إلى وجود نوع من التمايز ما بين جرائم البوادي وجرائم الحواضر

للاستفادة اكثر شارك المنشور مع اصدقائك
Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More